dimanche 27 mars 2011

الثقافة و الحضارة

إن موضوع التعددية و قبول الآخر ارتبط، و يرتبط بشكل أساسي، بمصطلحي الثقافة و الحضارة، و الأمر ينطلق من التحديد لكلا المصطلحين، حيث يحصل خلط بينهما بسبب مفهوم كلمتي:
 Civilisation - Culture، حيث تداخل فيهما مصطلح الثقافة مع مصطلح الحضارة و مصطلح المدنية. إننا نجد فيلسوفا، مثل: أندريه لالاند في موسوعته الفلسفية، بادي الارتباك في تحديدهما، حيث يعرف كلمة Culture بأنها خصوصية للشخص المتعلم الذي حصّل على المعرفة و طوّر  ذوقه و حسّه النقدي و قدرته على الحكم، و الحديث عن هذه المفردة يستحضر حالة عقل مثقف بالتعلم. أما تحت مفردة Civilisation فإنه يقول بأنها مجموعة ظواهر مركّبة، و أنها قابلة للنقل و تتسم بسمات دينية و أخلاقية و جمالية و تقنيّة، و من خصائصها أنها تكون مشتركة بين كل الأجزاء في مجتمع عريض أو في عدة مجتمعات. و يضيف بأن الحضارة مقابل الحالة الوحشية، و أن اللغات الحضارية هي تلك التي تمتلك أدباً، أو تلك التي تكون وسيلة للتعبير عن أفكار سياسية أو علمية أو تاريخية أو غير ذالك.
نلاحظ عند لالاند خلطا و إرباكا في تحديدCivilisation ، حيث نجد ما ورد عنده قد خلط بين الثقافة و الحضارة و بين الهوية و طرائق الحياة العملية.
أما واضعو (( الموسوعة العربية العالمية )) فقد كانوا أكثر تحديدا، فجاء عندهم تحت مفردة الثقافة: (( الثقافة تشتمل على الفنون و المعتقدات و الأعراف و الاختراعات و اللغة و التقنية و التقاليد. و يماثل مصطلح الثقافة الحضارة، غير أن المصطلح الأخير يشير، في الأغلب، إلى طرائق الحياة العملية الأكثر تقدما )). و هذا التمييز يظهر عندهم بشكل أوضح عندما انتقلوا إلى تحديد الحضارة، حيث قالوا: (( الحضارة طريقة حياة نشأت بعد أن بدأ الناس يعيشون في مدن أو مجتمعات نظّمت في شكل دول. و الحضارة تشمل الفن و العادات و التقنية و شكل السلطة و كل شيء آخر يدخل في طريقة حياة المجتمع. و من هذا المنظور فإن الحضارة مماثلة للثقافة، و لكن الثقافة تشير إلى وسيلة من وسائل  الحياة و تشمل أسلوب الحياة البسيطة و المعقدة، أما كلمة الحضارة فتشير فقط إلى أساليب الحياة التي تتصف بنظم اقتصادية و حكومية و اجتماعية معقدة، و لذا، بالرغم من أن كل إنسان يعيش في إطار ثقافةٍ ما، إلا أنه لا يعيش كل فرد في إطار حضارة ما((



 د. أحمد السحمراني، الإسلام و الآخر، ص 68 إلى 70

samedi 26 mars 2011

تأرجح بين الغلو في الدين و الانحلال


تأرجح المجتمعات الإسلامية بين الغلو في الدين و التطرف الأيديولجي من ناحية، و الانحلال و الميوعة  و التسيب من ناحية ثانية، فهي إذن بإزاء بحث عويص عن توازن جديد للجسم الاجتماعي يحتل فيه الاعتدال و التسامح مكان التعصب و الانغلاق، و تحتل فيه الثقة في النفس مكان تقليد الآخر، إذ لا مجال لتوازن المجتمع و تقدمه إذا ما شغلت المحافظة أو المغامرة وسط الميدان، و لم تكن في منزلتها الطبيعة على هامشه.


د. عبد المجيد الشرفي، مستقبل الإسلام في الغرب و الشرق، ص 106

نعيم العلم و شقاء الجهل


و الحق ان المنزلة الإنسانية هي التي تستدعي في الآن نفسه الشقاء و السعادة بما يعكر صفو الحقائق الموروثة، أن العقل البشري هو المسؤول بالدرجة الأولى عن هذا التوتر، و عن التأرجح بين الرغبة في المعرفة بكل مخاطرها، و الرغبة في التسليم و الاعتماد على الآخر أيّاً كانوا، أسلافا أو رجال دين أو غيرهم. ألم يقل شاعرنا في ذلك:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم!
و كذلك:

تصفو الحياة لجاهل أو غافل
عما مضى فيها ما يتوقع؟




مستقبل الإسلام في الغرب و الشرق، ص 19 و 20، د. عبد المجيد الشرفي


dimanche 6 mars 2011

تعريف الحضارة من كتاب الإسلام و الغرب، رؤية محمد أسد


الحضارة كما جاء في ((معجم الوسيط)) : الإقامة في الحضر (و الحضر: القرى و المدن و الريف)، و هي ضد البداوة (اي: الهمجية و التوحش)، و هي مرحلة سامية من مراحل التطور الإنساني و الحضارة: جملة من مظاهر الرقي العلمي و الفني و الادبي و الإجتماعي في مجتمع من المجتمعات، او في مجتمعات متشابهة.
و تعرف الحضارة عند اهل الخبرة و الإختصاص بانها: نتاج الإنسان المدني الإجتماعي بخصائصه الفكرية و الروحية و الوجدانية و السلوكية تحقيقا لاهداف امته، و ما ارتضته هذه الامة من قيم و مثل و مبادئ.

La Crise, Financière ou Economique?

Contrairement à l'opinion un peu partout mise en avant aujourd'hui, la crise actuelle n'est pas d'abord financière, mais une crise économique - ce qui, en un sens, est beaucoup plus grâve, plus profond, et implique des réponses plus fondamentales.

Luc Ferry, Face à la crise, page 7

الإسلام و الغرب ـ يوميات شاعر فلسطيني يعيش في إيطاليا

...تطفو على ذاكرتي قصة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ثاني الخلفاء. كان قائد السرايا، في القرن السابع، لفتح القدس. المدينة مهمة للمسلمين لان الرسول صلى الله عليه و سلم، في ذلك المكان، حولت إليه السلطة الدينية من خَلَفِ إسحاق عليه السلام إلى خلف إسماعيل عليه السلام، من حيث ينحدر.
استقبل بطريك المدينة المقدسة الخليفة واهبا إياه مفاتيحها. و بعد ان تجولا في أرجائها و مع وصول موعد صلاة العصر، دعا البطريك الخليفة إقامة الصلاة في الكنيسة. رفض عمر هذا لأنه، حسب رأيه، يخشى ان يعتبره المسلمون بعد وفاته مسجدا. أقام الصلاة جوار الكنيسة، حيث بني لاحقا مسجد يحمل اسمه، و منذها تحترم الكنيسة كمركز ديني.
...
 
صلاح محاميد، الإسلام و الغرب ـ يوميات شاعر فلسطيني يعيش في إيطاليا- ص 18


مقاربة بين افلاطون و ابن خلدون


و الدارس و المتابع للفكر البشري يجد حشدا من النصوص التي تقرر هذه المسأله (ضرورة الإجتماع او أن الإنسان مدني بطبعه), و تسلم بها من دون تردد ان نقاش, و نذكر منهم الفيلسوف أفلاطون في كتابه الجمهورية حيث يقول :
 )) إن المرء لا يستغني عن إخوانه. هذا هو منشأ الهيئة الاجتماعية و الدولة. و لا بد فيها من أربعة أو خمسة رجال، على الأقل، يمثلون العناصر الأولى في توزيع الأعمال، و يتسع مجال ذلك كلما نمت الجماعة، فتحتوي الحياة في بدء نشأتها على الزراع و البنائين و الحاكة و الأساكفة. يضاف إلى هؤلاء، لأول وهلة، النجارون و الحدادون و الرعاة. و مع الزمان تنشأ التجارة الخارجية التي تستلزم زيادة المنتوجات في الوطن، لدفع بدل الواردات من الخارج. و ازدياد المنتوجات يستلزم وجود طبقات من الباعة و أصحاب المخازن و الصرافين.
و تحتاج الأمة إلى تجار، و بحارة، و مستخدمين و عمال. و إذا نشأت الأمة على هذا النسق حصلت على حاجاتها، إذا لم يزد عددها على ثروتها نسبيا. على انها إذا جهزت بالكماليات مع الحاجيات لزمها طهاة و حلوانيون، و حلاقون، و ممثلون، و راقصون، و شعراء، و أطباء، و ذلك يستلزم طبعا مجالا شاسعا، و قد يفضي إلى اشتباكها في الحرب مع جيرانها، فتحتاج الدولة إلى جيش دائم و طبقة حكام ((

إن هذا النص لأفلاطون يحوي منظومة شبكة علاقات اجتماعية تنطلق من العلاقات البسيطة لتكوين كيان اجتماعي يمليه واق حال الإنسان الفرد, و يندرج في إيراد أسماء المهن, حتى ينتهي إلى الشكل الأرقى ألا و هو الانتظام في هيئة حكومية بتوفير عنصري هذه الهيئة: الحكام و الجند.

إن نموذج العلاقات الاجتماعية، وفق النموذج الافلاطوني، شبكة جعلت لكل ذي موهبة و كفاءة موقعاً؛ أي حققت نموذجاً لهيئة اجتماعية منتظمة يقبل كل فرد فيها الآخر، و تتكامل فيها الأدوار، و لا استغناء عن شخص أو دور يقوم به هذا الشخص أو ذاك.

إن ثقافة تتأصل على هذا النحو، لا يكون فيها منبوذون أو مهمشون، و هو نموذج يصح أن يحتدى به لتحقيق فكرة أو قاعدة قبول الآخر مع الإقرار بالتنوع في الاختصاص. و إذا ما حصل إشكال، أو تعدِّ، بحيث يترك آثاراً سلبية على الانتظام و النظام العام، تكون عندها المهمة الموكلة للحكام و الجند لحفظ هذا النظام الذي يكون فيه مكان للجميع.

و نستطيع الإستفادة من نموذج آخر من الفكر، الذي تحدث عن قبول الآخر في الاجتماع الانساني، مأخوذ عن عبد الرحمن بن خلدون في كتابه مقدمة ابن خلدون. قال ابن خلدون:

 ))إن الاجتماع الإنساني ضروري، و يعبر الحكام عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع؛ اي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم، و هو معنى العمران، و بيانه أن الله سبحانه حلق الإنسان، و ركبه على صورة لا تصح حياتها و بقاؤها إلا بالغذاء، و هداه إلى التماسه بفطرته، و بما ركب فيه من القدرة على تحصيله، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء عير موفية له بمادة حياته من، و لو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه، و هو قوت يوم من الحنطة مثلا، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن و العجن و الطبخ، و كل واحد من هذه الأعمال الثلاثية يحتاج إلى مواعين و آلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد و نجار و فاخوري. هب انه يأكل حبا من غر علاج فهو أيضا يحتاج، في تحصيله حبا، إلى أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة و الحصاد، و الدراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل...
فلا بدّ من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه ليحصل القوت له و لهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف، و كذلك يحتاج كل واحد منهم أيضا في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه؛ لأن الله سبحانه لما ركب الطباع في الحيوانات كلها و قسم القدر بينها، جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من حظ الإنسان...و جعل للإنسان عوضا من ذلك كله الفكر و اليد...
و إذا كان التعاون حصل له القوة و السلاح للمدافعة...فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض ((

إن ابن خلدون أورد مصطلحات لم يذكرها أفلاطون، منها الإشارة إلى الفكر عند الإنسان، و منها التعاون، لأن التعاون يدل على قبول الآخر ضمن صيغة تكاملية، و هو مطلوب كي تسود الاستقرار في العلاقات بين أفراد المجتمع. كما أن ابن خلدون أشار إلى أمر مهم، هو أن محدودية طاقات الإنسان و قلة القصور فيها يتم علاجه بالتكامل و التعاون من جهة، و بأن يبدع الفكر الإنساني الآلات و المواعين و المعدات التي تضيف قدرة إلى قدرة الإنسان، و طاقة إلى طاقته، و بذلك يتأكد إن الإنسان هو المحور و المدار، و سعادته و مصالحه هي الهدف و الغاية.


د. أسعد السحمراني، الإسلام و الآخر، ص 26 و27 و 28