dimanche 6 mars 2011

مقاربة بين افلاطون و ابن خلدون


و الدارس و المتابع للفكر البشري يجد حشدا من النصوص التي تقرر هذه المسأله (ضرورة الإجتماع او أن الإنسان مدني بطبعه), و تسلم بها من دون تردد ان نقاش, و نذكر منهم الفيلسوف أفلاطون في كتابه الجمهورية حيث يقول :
 )) إن المرء لا يستغني عن إخوانه. هذا هو منشأ الهيئة الاجتماعية و الدولة. و لا بد فيها من أربعة أو خمسة رجال، على الأقل، يمثلون العناصر الأولى في توزيع الأعمال، و يتسع مجال ذلك كلما نمت الجماعة، فتحتوي الحياة في بدء نشأتها على الزراع و البنائين و الحاكة و الأساكفة. يضاف إلى هؤلاء، لأول وهلة، النجارون و الحدادون و الرعاة. و مع الزمان تنشأ التجارة الخارجية التي تستلزم زيادة المنتوجات في الوطن، لدفع بدل الواردات من الخارج. و ازدياد المنتوجات يستلزم وجود طبقات من الباعة و أصحاب المخازن و الصرافين.
و تحتاج الأمة إلى تجار، و بحارة، و مستخدمين و عمال. و إذا نشأت الأمة على هذا النسق حصلت على حاجاتها، إذا لم يزد عددها على ثروتها نسبيا. على انها إذا جهزت بالكماليات مع الحاجيات لزمها طهاة و حلوانيون، و حلاقون، و ممثلون، و راقصون، و شعراء، و أطباء، و ذلك يستلزم طبعا مجالا شاسعا، و قد يفضي إلى اشتباكها في الحرب مع جيرانها، فتحتاج الدولة إلى جيش دائم و طبقة حكام ((

إن هذا النص لأفلاطون يحوي منظومة شبكة علاقات اجتماعية تنطلق من العلاقات البسيطة لتكوين كيان اجتماعي يمليه واق حال الإنسان الفرد, و يندرج في إيراد أسماء المهن, حتى ينتهي إلى الشكل الأرقى ألا و هو الانتظام في هيئة حكومية بتوفير عنصري هذه الهيئة: الحكام و الجند.

إن نموذج العلاقات الاجتماعية، وفق النموذج الافلاطوني، شبكة جعلت لكل ذي موهبة و كفاءة موقعاً؛ أي حققت نموذجاً لهيئة اجتماعية منتظمة يقبل كل فرد فيها الآخر، و تتكامل فيها الأدوار، و لا استغناء عن شخص أو دور يقوم به هذا الشخص أو ذاك.

إن ثقافة تتأصل على هذا النحو، لا يكون فيها منبوذون أو مهمشون، و هو نموذج يصح أن يحتدى به لتحقيق فكرة أو قاعدة قبول الآخر مع الإقرار بالتنوع في الاختصاص. و إذا ما حصل إشكال، أو تعدِّ، بحيث يترك آثاراً سلبية على الانتظام و النظام العام، تكون عندها المهمة الموكلة للحكام و الجند لحفظ هذا النظام الذي يكون فيه مكان للجميع.

و نستطيع الإستفادة من نموذج آخر من الفكر، الذي تحدث عن قبول الآخر في الاجتماع الانساني، مأخوذ عن عبد الرحمن بن خلدون في كتابه مقدمة ابن خلدون. قال ابن خلدون:

 ))إن الاجتماع الإنساني ضروري، و يعبر الحكام عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع؛ اي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم، و هو معنى العمران، و بيانه أن الله سبحانه حلق الإنسان، و ركبه على صورة لا تصح حياتها و بقاؤها إلا بالغذاء، و هداه إلى التماسه بفطرته، و بما ركب فيه من القدرة على تحصيله، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء عير موفية له بمادة حياته من، و لو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه، و هو قوت يوم من الحنطة مثلا، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن و العجن و الطبخ، و كل واحد من هذه الأعمال الثلاثية يحتاج إلى مواعين و آلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد و نجار و فاخوري. هب انه يأكل حبا من غر علاج فهو أيضا يحتاج، في تحصيله حبا، إلى أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة و الحصاد، و الدراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل...
فلا بدّ من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه ليحصل القوت له و لهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف، و كذلك يحتاج كل واحد منهم أيضا في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه؛ لأن الله سبحانه لما ركب الطباع في الحيوانات كلها و قسم القدر بينها، جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من حظ الإنسان...و جعل للإنسان عوضا من ذلك كله الفكر و اليد...
و إذا كان التعاون حصل له القوة و السلاح للمدافعة...فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض ((

إن ابن خلدون أورد مصطلحات لم يذكرها أفلاطون، منها الإشارة إلى الفكر عند الإنسان، و منها التعاون، لأن التعاون يدل على قبول الآخر ضمن صيغة تكاملية، و هو مطلوب كي تسود الاستقرار في العلاقات بين أفراد المجتمع. كما أن ابن خلدون أشار إلى أمر مهم، هو أن محدودية طاقات الإنسان و قلة القصور فيها يتم علاجه بالتكامل و التعاون من جهة، و بأن يبدع الفكر الإنساني الآلات و المواعين و المعدات التي تضيف قدرة إلى قدرة الإنسان، و طاقة إلى طاقته، و بذلك يتأكد إن الإنسان هو المحور و المدار، و سعادته و مصالحه هي الهدف و الغاية.


د. أسعد السحمراني، الإسلام و الآخر، ص 26 و27 و 28

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire